هل توجه تونس بوصلتها شرقاً من أجل جذب شركاء جدد؟
أحيت مشاركة الرئيس قيس سعيد في القمة العربية الصينية، التي شهدتها السعودية أخيراً، دعوات تونسية إلى انتهاج دبلوماسية جديدة من خلال تعزيز الانفتاح على بكين في الوقت الذي أقامت فيه البلاد تاريخياً شراكة استراتيجية قوية مع الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي).
وكان الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي الموالي للرئيس سعيد، محسن النابتي، قد دعا في وقت سابق إلى إيجاد بدائل عن صندوق النقد الدولي وإقامة شراكة مع القوى الصاعدة، وأساساً الصين، وسط غموض يلف موقف تونس الرسمي من التغيرات التي تشهدها خريطة التحالفات الجيوستراتيجية.
وسيكون الرئيس التونسي على موعد مع زيارة أخرى مثيرة ستقوده إلى الولايات المتحدة خلال الفترة 13-15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للمشاركة في قمة أميركية – أفريقية.
الاتجاه شرقاً
زيارة قيس سعيد إلى الرياض للمشاركة في القمة العربية الصينية جاءت في وقت تجد التوازنات والتحالفات الدولية نفسها على رمال متحركة بعد الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا مطلع العام الحالي.
في تونس، التي تحاول قوى المعارضة فيها تأليب الرأي العام الدولي على الرئيس، تتصاعد الدعوات إلى تغيير الشركاء الخارجيين، على رغم أن البلد لا يزال في مفاوضات شاقة مع بعض المؤسسات المدعومة بشدة من الغرب، مثل صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات جديدة.
زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب الموالية لقيس سعيد قال، إن “أحد الحلول لأزمة تونس تغيير شركائها، والتوجه شرقاً، وهذا ما شجعنا رئيس الدولة عليه في أكثر من مناسبة، سواء خلال لقاءاتنا المباشرة معه أو غير ذلك”.
وأضاف المغزاوي، في تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية”، أنه “من الضروري تنويع الشراكات، لأن الوضع الذي يمر به العالم يشهد تغيرات كبيرة على مستوى موازين القوى، ما يجعل أمام تونس إمكانية استغلال الوضع والأزمة الحالية التي يعرفها الجميع لتحويلها إلى فرصة حقيقية”.
ورأى أنه “يجب وقف الهيمنة الغربية التي سيطرت على البلاد منذ عقود كثيرة، ونحن في حزبنا قمنا منذ البداية بحث الدولة التونسية على المشاركة في قمة الرياض العربية- الصينية وربط علاقات وتطويرها مع بكين وبقية الدول العربية”.
وقال المغزاوي “على تونس أن تدرك أن شركاءها التقليديين يواجهون منذ فترة أزمات كبيرة، سواء فرنسا أو غيرها، وأن الصين قوة اقتصادية صاعدة، ولا يوجد أي مانع يحول دون التعامل أو إقامة شراكة معها والتمهيد لاستثمارات مهمة في تونس”.
ولفت إلى أنه “يجب الاتفاق على مشاريع حقيقية وتنمية وتعاون حقيقي بين البلدين، وما يهمنا أيضاً أن الصين لا تعتمد منطق الهيمنة”.
موقف صيني مهم
كان الرئيس قيس سعيد قد التقى على هامش القمة العربية- الصينية في الرياض بالرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي أكد دعم بلاده لاتباع تونس مسار تنمية يتلاءم مع ظروفها بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام من الجانبين، مضيفاً أن بلاده “ترفض التدخل الخارجي في شؤون تونس الداخلية”.
وعلق الأمين العام لحركة الشعب التونسية قائلاً، إن “رفض الصين التدخل الأجنبي في الشؤون التونسية موقف مهم ويؤكد مرة أخرى أن أهم ما يميز السياسة الدولية الصينية هو أنها ليست بقوة استعمارية، حيث إنها تتعاون على أساس مصلحة مشتركة”.
وأشار المغزاوي إلى أن “الموقف الذي أدلى به الرئيس الصيني مهم أمام محاولات التدخل الأجنبي في تونس واستدعاء حتى أطراف تونسية من الداخل للضغط الخارجي على تونس وهذا هو المطلوب”.
افتقاد عديد من الأوراق
على رغم أن زيارة قيس سعيد إلى الرياض قد تضع حداً لحالة الخمول، التي تشهدها الدبلوماسية التونسية منذ فترة، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت ستشكل منعطفاً في التوجهات الخارجية للبلاد، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترى أوساط دبلوماسية في تونس أنه من الصعوبة بمكان القطع بشكل مباشر مع الشركاء التقليديين على غرار فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وإقامة شراكة استراتيجية مع بكين، لا سيما في ظل الحاجة إلى مؤسسات مالية مدعومة بقوة من الغرب.
وكانت تونس قد توصلت في وقت سابق إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي من أجل تمويل يقدر بـ1.9 مليار دولار بدعم أميركي- أوروبي قوي، فيما تراهن قوى المعارضة على عدم الموافقة على هذا القرض للضغط على السلطات في البلاد.
وقال الدبلوماسي التونسي عبدالله العبيدي “”أهمية مثل هذه القمم أنها تمنح الأطراف المشاركة فيها فرصة تسوية الملفات العالقة بينها، سواء مشتركة أو غيرها، هناك اتجاه لإعادة هيكلة العلاقات الجيوستراتيجية وخريطة جديدة بصدد التشكل وهذا قد يتخذ عقوداً”.
وبين العبيدي، في تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية”، “صحيح أن القوى الغربية بدأت تتراجع، لكن الحذر يبقى ضروري لأن كل الثوابت الجيوستراتيجية بصدد الاهتزاز هذه الفترة، على رغم أننا في الأخير نعول على مساعدة الأطراف الخارجية”.
وشدد على أن “تونس ليس لديها عديد من الأوراق بيدها في ظل التغيرات الجيوستراتيجية، لا يمكن في اعتقادي التوجه شرقاً بهذه البساطة، ناهيك بأن القوى الصاعدة أيضاً لن تساعد تونس مجاناً، بل ستأخذ منها وتحاول استغلال عديد من الجوانب على غرار موقع تونس الاستراتيجي”.
جبهة داخلية متشرذمة
وتعتقد الأوساط الدبلوماسية التونسية أن الانقسام الداخلي قد يكون أبرز العراقيل أمام تنويع الشراكات الخارجية، وهو انقسام ليس وليد اللحظة، حيث تشهد البلاد منذ 2011 سجالات قوية بين الإسلاميين والعلمانيين.
كان دعم رئيس حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي إبان توليه رئاسة البرلمان التونسي لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج في مواجهة الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، مؤشراً قوياً على حجم التنافر بين القوى التونسية في شأن التوجهات الدبلوماسية.
وفي 19 مايو (أيار) 2020 هنأ الغنوشي السراج في اتصال هاتفي بتحرير قاعدة الوطية العسكرية الواقعة غرب ليبيا في تطور أثار وقتذاك سجالات سياسية قوية.
وتحرك الرئيس سعيد في عام 2021 وأطاح بالبرلمان والحكومة المدعومين من حركة النهضة، لكن الانقسام تجاه الخارج والدبلوماسية في تونس لم يتوقف، حيث استمرت دعوات من المعارضة للقوى الغربية من أجل الضغط على الرئيس سعيد، الذي يتهمونه بمحاولة إرساء نظام ديكتاتوري بعد سيطرته على كل الصلاحيات.
وقال عبدالله العبيدي، إن “مشكلة تونس الأكبر في جبهتها الداخلية، حيث لم نعرف بعد صياغة سياسة توحد الشعب التونسي، ونرى تحركات في الخارج لتونسيين، لكن من خلفهم؟ كل طرف يتحرك خدمة لمصالحه ولأجندات ودول أخرى”.
وأوضح العبيدي أن “الحل الأنجع لتونس هو توحيد الجبهة الداخلية، ورأينا أهمية هذه النقطة حتى في المفاوضات الأخيرة مع صندوق النقد الدولي، الذي اشترط موافقة الاتحاد العام للشغل وأطراف أخرى لمنحنا تمويلاً جديداً”، لافتاً إلى أن “الجبهة الداخلية متشرذمة”.
العلاقة مع واشنطن
سيختبر تفاعل قيس سعيد مع دعوات الأحزاب الموالية له من أجل الاتجاه شرقاً العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، التي لطالما كانت شريكاً تقليدياً لبلاده، وتجمع بين الطرفين اتفاقات وتعاون مهم في عديد من المجالات.
وأخيراً حاولت المعارضة التونسية، في مقدمتها حركة النهضة الإخوانية، استمالة الإدارة الأميركية الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن من أجل الضغط على قيس سعيد، لكن هدف المعارضة هذا يبدو صعب المنال اليوم مع تقدم العملية السياسية في تونس.
ويعتقد المؤرخ والمحلل السياسي محمد ذويب أن “زيارة الرئيس سعيد إلى الولايات المتحدة، التي تأتي بعد لقاء رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن بوفد أميركي رفيع المستوى، ستتطرق إلى وضع تونس المرتقب ما بعد انتخابات 17 ديسمبر (كانون الأول) البرلمانية في تونس”.
ويتوقع ذويب، في تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية”، أن “تفتح هذه المحطة السياسية الأبواب أمام علاقات سياسية جديدة بين تونس وواشنطن، مثلما حصل بين باريس وتونس”.
واستنتج أن “موقف الولايات المتحدة من مسار 25 يوليو (تموز) الذي يقوده الرئيس التونسي سيشهد تحولاً، خصوصاً لتقارب الموقفين الفرنسي والأميركي في العادة”.
وكانت باريس قد أعلنت في وقت سابق عن دعمها لإجراءات اتخذها قيس سعيد في خطوة سارعت المعارضة التونسية إلى التنديد بها ما يعكس حجم رهانها على الخارج للضغط على الرئيس.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريحات أطلقها من جزيرة جربة التونسية وبثها تلفزيون “”تي في 5 موند” الفرنسي على هامش القمة الفرانكوفونية التي عقدت الشهر الماضي، إن “فرنسا سترافق حركة الرئيس التونسي قيس سعيد”، في إشارة إلى تفعيله المادة 80 من الدستور العام الماضي، في خطوة أطاح من خلالها خصومه، وهما البرلمان الذي تسيطر عليه حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان، والحكومة برئاسة هشام المشيشي.
وأضاف ماكرون “الآن لحظة تغيير كبير بعد أن شهدت تونس ثورة وإرهاباً وكوفيد-19 وزعزعة للاستقرار”، معتقداً “أنه ليس على رئيس الجمهورية الفرنسية أن يفسر للرئيس التونسي ما الذي يجب أن يفعله في بلاده”.
#هل #توجه #تونس #بوصلتها #شرقا #من #أجل #جذب #شركاء #جدد
تابعوا Tunisactus على Google News