- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

وهران مدينة الحلم الجزائري ومحجّ أهل الفن | القدس العربي

 الجزائر ـ «القدس العربي»: لم يُجمع الجزائريون على حب مدينة مثلما أجمعوا على وهران. تلك القطعة الأثيرة في غرب الجزائر التي تبعث في زائرها نفحة من السعادة والفرح، بما تفيض به من طبيعة ساحرة وماض عريق ونمط عيش عفوي عند سكانها الفنانين بالفطرة. لم يتطلب الأمر، سوى إيقاظ بعض الأحاسيس الجميلة، عبر أعمال فنية وتظاهرات رياضية، حتى يعود الاهتمام لوهران وتزول غشاوة كانت تحجب شمسها الساطعة ليس فقط على الجزائر ولكن على كل حوض المتوسط الذي تعد واحدة من أيقوناته.

«وهران في القلب» ظل هذا «الترند» صامدا في الصدارة طيلة الأشهر الماضية، كما لو أن الجزائريين أرادوا تتويج «الباهية» على عرش المدن الجزائرية، متجاوزين الأنانيات الجهوية والمناطقية التي تميز بلادهم. ربما لأن هذه المدينة، تمثل جزءا من كل جزائري تشعره بالانتماء إليها. أو لأنها تذكره بموسيقى جميلة أدمن عليها في مراهقته أو أكلة «كارانتيكا» لا يزال مذاقها في فمه، أو صيف لا ينسى قضاه على شواطئها لما كان صغيرا أو هواء عليل استنشقه من أعالي سانتا كروز حيث يتعايش المسجد والكنيسة ولا يحتاجان من يلقنهما سلام الأديان. انجذاب لا يمكن تفسيره، يمكن فقط الإحساس به، حتى من أولئك الذين لم تطأ بعد أقدامهم المدينة لكنهم افتتنوا بها.
تلك الخلطة العجيبة التي تميز وهران، يلخصها الصحافي المتابع ليوميات المدينة منذ سنوات طويلة، جعفر بن صالح، في حديثه مع «القدس العربي» بالقول إنها مدينة ذات طابع كوسموبوليتي وهي ملتقى كل مناطق الجزائر على اختلاف أصولهم وهو ما يجعلها مفتوحة نحو الآخر وتحتضن الزائر لدرجة انه لا يحس بأنه أجنبي، انفتاحها على البحر جعل سكانها متسامحين لأقصى حد. كما يشكل معمارها الأوروبي الثري والفريد من نوعه، حسبه، ميزة خاصة جعلها أكثر المدن الجزائرية أوروبية خلال الفترة الاستعمارية.

ألعاب المتوسط

شغف الجزائريين الأخير بوهران، ظهر جليا في افتتاح ألعاب البحر المتوسط، فبمجرد أن نادتهم المدينة، هبوا من كل الأماكن ليشهدوا الحفل الذي استعرض معهم تاريخ المدينة بعلمائها وفنانيها بحواريها وأحيائها القديمة المنسوبة لأولياء الله الصالحين. واستمر الاهتمام البالغ طيلة هذه الألعاب، التي كانت فرصة لاكتشاف وهران ليس فقط لأبناء البلد بل لكل المتوسطيين الذين أظهروا إعجابا منقطع النظير بها، وليس ذلك غريبا عن مدينة كانت مطمع الغزاة في البحر المتوسط من الإسبان إلى الفرنسيين إلى الحكم العثماني، وأخذت عن كل هؤلاء شيئا لنفسها، مع الاحتفاظ بشخصيتها الجزائرية الأصيلة التي ظهرت في كفاحها ضد المستعمر الفرنسي، حيث كانت مركزا لعمليات نوعية سبقت حتى الثورة التحريرية، مثل هجوم بريد وهران سنة 1949 الذي كان من بين قادته الزعيمان أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد للحصول على المال للتحضير للكفاح المسلح الذي انطلق سنة 1954.
لم تكن ألعاب المتوسط سوى اعتراف بحق هذه المدينة في أن تكون مثل غيرها من الحواضر الكبرى عاصمة للمتوسط، وقد مهّد لهذا النجاح الذي ظهر في اهتمام الوافدين بالمدينة أكثر من الألعاب نفسها، أعمال فنية حوّلت بعض معالمها المنسية إلى مزارات سياحية. فالفيديو كليب «ديسكو مغرب» للموسيقي العالمي ذي الأصول الجزائرية، دي جي سنايك، يقترب من 70 مليون مشاهدة منذ طرحه على منصة يوتيوب قبل شهرين فقط. و«ديسكو مغرب» هي أشهر مؤسسة فنية تخصصت في إنتاج أشرطة أغاني الراي لكبار المطربين الجزائريين سنوات الثمانينات، ثم اندثرت مع الزمن ولم يبق منها سوى مقرها القديم كشاهد على وجودها الذي صنع أسماء عالمية لموسيقى الراي مثل خالد حاج ابراهيم وحسني شقرون المدعو الشاب حسني والذي تحول بالمثل مكان اغتياله على يد جماعة إرهابية منتصف سنوات التسعين إلى أحد المزارات. تماما مثلما بات إقبال الوافدين كبيرا على حي الدرب الشعبي بعد احتضانه تصوير مسلسل «أولاد الحلال» الذي عالج تناقضات المجتمع وغاص في شخصية الوهراني المليئة بالكبرياء رغم ظروف الفقر وقسوة المعيشة أحيانا.

الفن وطريق العالمية

تحول اسم وهران مع الزمن إلى «ماركة مسجلة» لنجاح أي عمل فني موسيقي أو درامي أو مسرحي، فهي المركز الذي يحج إليه أهل الفن، ليحظوا بالشهرة. كما تولت المدينة في عز سنوات الدم والدمار إبان العشرية السوداء (1990-2000) رسم البسمة على شفاه الجزائريين، فكانت كوميديا فرقة «بلا حدود» التي كانت تبث في رمضان، ملاذا للهروب من ذلك الواقع المأساوي الذي صنعه الإرهاب في البلاد. ولم يكن الثمن بسيطا، فقد بكت وهران عددا من كبار مبدعيها الذين اغتالتهم أيادي الإجرام، مثل مطرب الراي المحبوب الشاب حسني والمسرحي الكبير عبد القادر علولة.
عن تاريخ المدينة الفني، يقول محمد علال الصحافي والناقد لـ«القدس العربي» إن «موسيقى الراي ساهمت في التعريف بمدينة وهران كوجهة فنية بارزة، خاصة عندما أعاد الشاب خالد اداء أغنية «وهران» للراحل بلاوي الهواري، وكما معلوم فإن الموسيقى والأدب هما عاملان أساسيان في التسويق لأي مدينة». وقبل أن تحتضن ألعاب البحر المتوسط، كانت وهران حسب المتحدث، بهذا الوهج وهو ما ساعد الجزائر في افتكاك شرف تنظيم الألعاب في وهران نظرا لموقعها الجغرافي وبعدها التاريخي والحضاري ولما تتمتع به من سمعة ثقافية عالمية، ولا يزال الجزائريون ينظرون إلى وهران، حسبه، كعاصمة للثقافة والفن بإمتياز.
بعد الموسيقى، تتحول وهران اليوم إلى عاصمة لصناعة الدراما بامتياز، يقول علال. فاللهجة الوهرانية المفهومة بالنسبة لجميع الجزائريين مقارنة ببعض اللهجات المحلية الأخرى، ومناخ الحرية الذي تتمتع به وهران هو ما شجع المنتجين من أجل التوجه لإنتاج أحدث الأعمال الدرامية الجزائرية مثل «بابور اللوح» و«أولاد لحلال» الذي احتاج إلى بيئة اجتماعية خاصة لتصور بتلك الطريقة التي نالت إعجاب الجمهور الجزائري. ومؤخرا، يضيف، تحول استديو «ديسكو مغرب» إلى مزار سياحي كبير بفضل أغنية «ديجي سنايك» التي قدمها تكريما لهذا الأستديو الذي ساهم في رواج أغنية الراي التي تعتبر رمزا فنيا كبيرا للمدينة، وساهم بشكل كبير في الترويج لمدينة وهران عالميا.
كل ما تعيشه المدينة اليوم، يضيف علال، ليس وليد الصدفة، فوهران لها تاريخ ثقافي عريق جدا، وقد مرت عليها العديد من الحضارات خاصة الإسبانية، منذ أن تأسست عام 903 ميلادي، وبفضل ميناء المرسى الكبير عبرت الثقافات والموسيقى والرسم والعمران، خلال القرن الرابع عشر أصبحت وهران مركزاً فكرياً، وقد قال عنها ابن خلدون: «وهران متفوقة على جميع المدن الأخرى بتجارتها وهي جنة التعساء. من يأتي فقيراً إلى أسوارها يذهب غنياً». وقد اكتسبت هذه المدينة بعدين هامين، على المستوى التجاري والثقافي، وما تعيشه اليوم، حسب الناقد، ما هو إلا انعكاس لتلك التطورات الثقافية، وفي العصر الحديث ساهمت الرواية الأدبية مثل رواية «الطاعون» لألبير كامو في تقديم مدينة وهران للعالم الأدبي عندما نقل كامو معاناة أهل المدينة في تلك الفترة في رواية حازت على جائزة نوبل للأدب، يضيف.

وهران في قلب السياسة

مكانة وهران لم تجعلها بعيدة عن السياسة، فهي الولاية الأولى التي زارها الرئيس عبد المجيد تبون بعد أكثر من سنتين من وصوله للحكم. عاصمة الغرب الجزائري، ليست مدينة للفن والثقافة والقصص الشعبية الملهمة فحسب، بل هي أيضا قطب اقتصادي بامتياز، تضم مصانع للطاقة وضخ الغاز نحو إسبانيا كما يوجد بها مصنع ضخم للصلب. لكن المعول عليها أكثر، أن تصبح قطبا سياحيا كبيرا في منطقة المتوسط، وهو قطاع تقول الحكومة الحالية إنها تراهن عليه في تحولات عصر ما بعد البترول.
يقول رابح لونيسي المؤرخ وأستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، إن المدينة كانت في قلب رهان سياسي أرادت من خلاله السلطة الحالية تحقيق «شرعية الإنجاز» من خلال إنجاح ألعاب البحر المتوسط وإبراز المرافق التي تم إنجازها ومنها الرياضية طبعا، حتى ولو أن هذه المرافق شرع في إنجازها في حقيقة الأمر خلال الفترة السابقة. وبهذه الطريقة، يضيف لونيسي، حاولت السلطة إقناع الجزائريين بقدرتها على التنظيم، وكفاءتها في التسيير في قضايا أخرى ما دام كانت هذه الألعاب ناجحة. ويرى لونيسي أن جزءا من الاهتمام السياسي والإعلامي الطارئ كان مفتعلا في عملية نفسية ذكية لأنه كلما تحدثنا عن نجاح ألعاب البحر المتوسط سيرد لذهن المواطن البسيط قدرة السلطة وكفاءتها مما يضمن دعمها والوقوف إلى جانبها. ويضيف لونيسي لعوامل الاهتمام، وجود مشروع سياحي جزائري مستقبلا بتحويل الجزائر لوجهة سياحية مثل المغرب أو تونس، ولتحقيق ذلك كان يجب استغلال ألعاب المتوسط كمنطلق لذلك حتى تكون وهران قطبا سياحيا كبيرا. كما أن البعد المتوسطي للمدينة، ومن خلالها البعد المتوسطي للجزائر إضافة إلى أبعادها الأخرى، يمثل رسالة حسب المتحدث، لشمال المتوسط كفرنسا وإسبانيا وغيرها من أجل تحويل المدينة كنقطة اتصال تجارية وسياحية واقتصادية بين ضفتي المتوسط، خاصة أن فيها ميناء تجاري ضخم.
أما العامل الآخر، وفق المؤرخ، فهي طبيعة وهران ذاتها وخصوصيتها وتاريخها، وهي رسالة موجهة للشعب الجزائري برمته الذي يعاني، حسبه، نوعا من ضرب لتماسكه الاجتماعي في السنوات الأخيرة، فوهران هي مدينة منفتحة، ويمكن اعتبارها صورة مصغرة عن كل الشعب الجزائري، فمواطنوها ينحدرون من كل ولايات ومناطق الجزائر، وهؤلاء يعيشون في وئام وسلام وتفتح فيما بينهم، وهو ما أعطاها صورة المدينة التي يحبها كل الجزائريين لأنه من الصعب أن لا تجد جزائريا ليس له فرد من عائلته الصغيرة أو الكبيرة في وهران، فمن خلالها تريد السلطة إعطاء نموذج مصغر عن الأمة الجزائرية المتماسكة والمتسامحة.
ويتابع لونيسي: «المدينة أيضا كانت محتلة من الإسبان لأكثر من ثلاث قرون، وتم تحريرها في 1792 فهي تعيش هذا العام ذكرى تحريرها في وضع خاص (سياق العلاقات الجزائرية الإسبانية المتوترة) كما أنها المدينة التي فيها قيادة الناحية العسكرية الثانية التي تعد أهم ناحية عسكرية في الجزائر من ناحية الإمكانيات العسكرية عددا وعدة، وتشرف على حراسة الحدود الجزائرية التي لم تكن دائما في وئام مع جارتها المغرب. وقد تحدث الرئيس بن جديد بشكل مسهب في مذكراته عن أهمية هذه الناحية عندما كان على رأسها ما بين 1965 و1978».
ونظرا لثقل المدينة السياسي، يقول المؤرخ، إن الكثير من الوزراء والمسؤولين اختاروا بعد تقاعدهم، خاصة في عهد الرئيس بوتفليقة، مدينة وهران محطة إقامة لهم. كما أن من المسؤولين، حسبه، من يعتقد أن الاهتمام بالمدينة، بحكم إقامة جزء من عائلة الرئيس تبون الكبيرة بها (توفي شقيقه بها سنة 2017 لما كان وزيرا أول) سيعطيهم بعض الحظوة، تماما مثلما فعل مسؤولون آخرون مع مدينة تلمسان في عهد بوتفليقة وقبلهم مع مدينة مستغانم في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد لأنها مدينة أصهاره.

- الإعلانات -

#وهران #مدينة #الحلم #الجزائري #ومحج #أهل #الفن #القدس #العربي

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد